alexametrics
الأولى

دبلوماسية بورقيبة و سعيد من النقيض الى النقيض

مدّة القراءة : 7 دقيقة
دبلوماسية بورقيبة و سعيد من النقيض الى النقيض

" تمرمدنا " ، هكذا وصف الدبلوماسي السابق أحمد ونيّس التناقضات الحالية في منهجية ادارة الدبلوماسية التونسية التي تعد الأولى من نوعها في  تاريخ السياسة الخارجية التقليدية للبلاد منذ الاستقلال الى اليوم  ، في حوار خاص مع بيزنس نيوز .

تتالت الزيارات في الآونة الأخيرة بين تونس و كل من الجزائر و ليبيا ، زيارات غير معلنة ، جاءت عقبها بلاغات مقتضبة  لم تتضمن أسبابها أو أبعادها ، زيارات تطرح عديد التساؤلات في علاقة بالدبلوماسية التونسية و المغرب الكبير ،توجهاتها  و حقيقة تغير موازين الخيارات التونسية .

لطالما كانت الخيارات التونسية منذ الاستقلال تتسم بالوضوح ، خيارات معلنة معللة لا لُبس عليها ، خيارات كان يتزعمها الحبيب بورقيبة في علاقة تونس بالمغرب الكبير و كذلك في علاقة تونس بأوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية ، الخيارات الاستراتيجية التي تأسست من خلالها الدبلوماسية التونسية و مستقبلها و كانت حاملة لأبعاد اتضحت توجهاتها اليوم .

 

التعاون ثلاثي بين الجزائر و تونس و ليبيا  دون المملكة المغربية 

الزيارات المتتالية بين تونس و الجزائر  دفعت أحمد ونيس  للتساءل " لماذا يزور سعيد الجزائر ثلاثة  مرات دون احتساب  الزيارات الأخرى  التي تتولاها رئيسة الحكومة أو وزير الخارجية و لا يتوجه الى غير الجزائر من الزملاء كالمغرب و موريطانيا و كان على عبد المجيد تبون أن يزور قيس سعيد و ليس العكس ؟ "

الدولة التي ورثها قيس  سعيد و أصبح رئيسها لم تسلك هذا الاتجاه بتاتا  لا أيام المقاومة في الاستقلال و لا ما بعد الاستقلال في عملية بناء الدولة الحديثة ، قول جاء على لسان أحمد ونيس ، و ليس من العجب أن الرئيس قيس سعيد يرى ان السبيل الى النهضة و السلام في تونس هو في  الانتساب الى القومية العربية و التخلص من تصور المجتمع البورقيبي  

الحوار  مع أحمد ونيّس انطلق مع  النزاع حول الصحراء الغربيّة بين المغرب و الجزائر  ، النزاع الذي يعود الى سنوات مضت و تونس لم تكن ضمن حلقة النزاع الى حدود الاستقبال  الرئيس قيس سعيد  لممثل البوليساريو " الصحراء الغربية "  في القمة اليابانية التي تم عقدها في تونس ، الذي كان حاملا لاعتراف تونس رسميا بالصحراء الغربية.

الخطوة الجديدة و منذ أيام جاء الى تونس مبعوث خاص جزائري تقابل مع رئيس الجمهورية التونسية و هو وزير الخارجية رمطان العمامرة حمل معه رسالة الى قيس سعيد و موضوعها غير معروف و لكن الذي صدر هو أنها ترمي الى الواقع الاقليمي في منطقة المغرب الكبير و التعاون بين البلدان المعنية ، الذي يمكن فهمه من هذا هو أن قيس سعيد ردّ على السؤال الذي ألقي عليه من قبل الرئيس تبون باسم الجزائر من خلال توجه رئيسة الحكومة نجلاء بودن الى الجزائر و في  الحين حظر رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة و أطلق على العموم و بسرعة أن الديون المتخلدة على ليبيا و التي تعود الى تونس سيسرع في تسديدها و تم حصرها في 250 مليون دولار .

الاحتمال هو أن اللغز الذي كان قد خلقه التحرك بين الجزائر و تونس في الاسابيع الماضية هو متصل بزيارة ليبيا بحيث الجزائر ترسم مزية جديدة لتونس في الأزمة الحالية تمهيدا لتعاون ثلاثي بين الجزائر و تونس و ليبيا  دون المملكة المغربية  البدء في عزلة المملكة المغربية  .

و المغرب ردت الفعل على مبادرة الرئيس قيس سعيد لما استقبل نائب الصحراويين بصفة رئيس دولة و قطعت السبيل لبقاء السفراء في العواصم و لم تقطع العلاقات الدبلوماسية مثلما حصل في الجزائر التي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع المغرب .

بحيث تم الاستغناء عن الصلة  القانونية و الاخوية بين تونس و المملكة المغربية و ربما كانت خطوة  ليبيا تجاه تونس بدفع من الجزائر التي ساعدت في انتشال تونس من الأزمة الاقتصادية بمبلغ بسيط يقدر ب 250 مليون دولار و هذا من شأنه أن يزيد في تقوية الجدار القائم بين الجزائر و المملكة المغربية بانصهار تونس في هذا التيار  و لكن تبقى كل هذه المعطيات مجرد احتمالات فلا وجود لأي شيء يؤكد هذا التصور و لكن يجب أن نخشاه لأن حل أزمة ظرفية في تونس  بالسقوط في قرارات استراتجية تربط بمصير القلعة المغاربية يمكن أن يزيد درجة في الخطر على مآل المغرب الكبير و تموقع تونس استراتيجيا في محيطها لا فقط مع المغرب الكبير و لكن أيضا مع دول الساحل الصحراوي الافريقي  و مع اوروبا و مع العالم  قائلا " هذه قرارات استراتيجية خطيرة لا يجوز أن تتقرر بقطع النظر عن أبعاد لا تساوي قيمة الأزمة التي تعيشها تونس الآن  و التي هي أزمة عابرة . "

واذا تبين أن هذه العملية هي  في اطار التلاعب المسرحي في خدمة عملية تتجاوز الظرف تصبح ألاعيب خطيرة هذا لا ننسبه الى القيادة الحالية و كل تقارب نرحب به و لكن نأمل أن لا يكون مبني على حسابات خسيسة .

وزير الخارجية السابق أحمد ونيّس تتضارب رؤيته مع رؤية الرئيس حيث تونس لم تقبل من قبل   بالخيار الجزائري ، الخيار الجزائري الى نهاية حكم بوتفليقة يرى أن المغرب الكبير يجب أن يتجزء الى ستّة أجزاء و الدولة التي تتوسط الستة و هي الصحراء الغربية تتحكم في الاتصالات بين الاطراف الخمسة و أن الصحراء الغربية يجب أن تخضع الى استفتاء و تقرير المصير و فتح امكانية تأسيس دولة سيّدة تحكم في اراضيها بذاتها  و هذا يعني مزيد من التجزئة و التضييق على الدول الاطراف  في القلعة المتوسطة من شمال افريقيا و بهذا يمكن للجزائر أن تتحكم في الاتصالات بين المغرب و تونس و المغرب و ليبيا .

حيث أن البلاد التونسية  اذا ارادت أن تبقى وفيّة لخياراتها الأساسية فلا سبيل الى المواصلة في الضبابية التي تعيشها اليوم الدبلوماسية التونسية .

اوصاف الحالة في تونس المتأزمة و التي تنزلق مع الزمن أكثر فأكثر الى الهاوية تجعل من هذا الظرف ، ظرف سانح للسلطة الجزائريّة التي واصلت في خيار النظام العسكري الذي سبقها و تعرض خيار على الرئيس قسي سعيّد أنه لو ينظم الى خيارها في خلق دولة سادسة في المغرب الكبير و توحيد بعض المصالح بين تونس و الجزائر ستوفر بعض المنافذ لتونس و هذا نظريا وارد  .

التصور البورقيبي كان مخالفا لما يقوم به قيس سعيد حاليا  و تونس لم تتوقف في الخيار المغربي و تأسيس المغرب الكبير كخيار وحيد و طورت علاقاتها مع أوروبا و كذلك فعلت المملكة المغربية و النهضة الاقتصادية التونسية تقدمت بخطوات عظيمة و أصبح الارتباط في الأسواق التونسية و المغربية أقوى و أقوى مع السوق الاوروبية .و هذا المكسب هو المنقذ الى حد اليوم و الاقتصاد التونسي أصبح مرتبط بالسوق الاوروبية و الطرف الاوروبي أكثر من الطرف المغاربي .

منهجية الحبيب بورقيبة ليست متوفرة في الجيل الجديد ووضوح السياسة و اليوم تونس لم توضح خياراتها في المغرب الكبير و مع الدول الغربية فيما يخص اركان الخيار الديمقراطي  قائلا " سياستنا غامضة و تقييم السياسة الخارجية التونسية و صورة الرموز التي تمثل السياسة الخارجية التونسية مشوشة بفضل الغموض و الحبيب بورقيبة افكاره كانت واضحة و يقولها مسبقا و اذا يواجه اخلالا فيها يعبر عنها و لو كانوا حلفائه ".


بورقيبة لم يكن متأخرا و لا انحنائيا  وكان مدركا لجملة الالاعيب الدولية

الحبيب بورقيبة كان زعيم حركة تحريرية التي قاوم فيها احدى اعظم دول العالم في ذلك التاريخ و هي الامبراطورية الفرنسية بلسان " لست عدو الشعب الفرنسي و لكن عدو الاستعمار " .

هذه الخطة الدبلوماسية التي استعملها بورقيبة و نجحت لم يوافق عليها  قادة المغرب الكبير و لا الدول العربية و حينما اضطر بورقيبة لاطلاق المقاومة المسلحة لم يتراجع قائلا " بورقيبة لم يكن متأخرا و لا انحنائي و هذا أكسبه قدرا عظيما في فرنسا و غيرها من الدول "

في نفس الوقت مهّد السبيل الى الولايات المتحدة الأمريكية التي لديها مزايا على فرنسا و هي التي حررت فرنسا من الاحتلال و الحبيب بورقيبة كان مدركا لجملة الالاعيب الدولية و مدرك منذ أوائل الأربعينيات ربط صلة الثقة و التضامن بين الدبلوماسية الأمريكية و الحركة التحريرية التونسية  لطمأنتهم بأن تونس المستقلة لن تغدر الصف الغربي .

الارتباط بالولايات المتحدة الامريكية و فرنسا الذي اكتسبه الحبيب بورقيبة نظرا لشخصيته و زعامته التي ظلت راسخة عند فرنسا و بورقيبة حين توجه للعلاج في باريس و كان ضيف سفير تونس في باريس رئيس الجمهورية الفرنسية فرنسوا ميتارون ينتقل من قصره الى السفارة التونسية لكي يحي الحبيب بورقيبة و هذا يثبت  المكانة العظيمة التي كان يحتلها الحبيب بورقيبة .

الحبيب بورقيبة كان يعتمد على منهجية التي جعلت منه زعيما عند أحكام الدول العظمى في العواصم العظمى  و له مكانة كبيرة في السلطة و غير السلطة و كان وفيا للتعهدات التي قدمها لهذه الدول و لكن ظل يتجادل معهم في حقوق تونس ، كان له وزن عظيم بحيث وضوح الغايات و التصور الصحيح قائلا " لو نوضح الرؤية لا يمكن لأحد أن يؤاخذنا .

خيارات الرئيس قيس سعيد الوطنية العربية و القومية العربية هي خيارات اساسية بالنسبة اليه في تكوينه و في ثقافته و في القيم التي يعطيها أولوية و التي ينظر اليها كوطني لوطنه و للمنطقة " أظن أن سعيد وطني عربي و ظل وفيا لخياراته و هذا حقه لأن انتخابه كرئيس كان شرعيا ووليد انتخابات . "

منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ،  تونس خاطبت الاخوان العرب كدول اسلامية  في اطار تضامن الدول العربية للتخلص من الاستعمار الاجنبي  و عبد العزيز الثعالبي قام بمساعي عظيمة و كان معروفا بهذا

الدين أمر متصل بالأفراد و بالضمير و لا بالدولة و الخيارات المتمثلة في الاسلام و الدين من جهة و القومية العربيّة من جهة أخرى خلقوا جدلا في المجتمع التونسي ، و الجدل تفجر في المجلس التأسيسي الذي تم انتخابه في أكتوبر 2011 و تبيّنت من خلاله الخلافات بين الديمقراطيين الحداثيين التقدميين و النهضاويين الذين يريدون ربط القوانين و الخيارات السياسية مهما كانت داخلية أو خارجية بالمرجعية الاسلامية و تصدت النخبة التونسية لهذا التيار الرجعي .

هناك تيار ثالث الصاعد من القومية العربية لا يقبل باتجاه النهضة و لا يرضى بإرث القيادة الدستورية المستنيرة التقدمية البورقيبية و اليوم تونس تعيش في هذا المخاض  قائلا " هذا من شأنه أن يدفعنا للرجوع الى الوراء لأن مؤاخذات تونس الحديثة بعد الاستقلال ضد الخيارات في اصلاحات ضرورية للمجتمع العربي المستقل الذي اصبح سيّدا في وطنه و تونس كان لديها مؤاخذات للخيارات التي اتخذتها بعض الدول التي سبق استقلالها استقلال تونس بمدة 10 سنوات على الأقل و لم يتم اتخاذ الاصلاحات الصحيحة و كذلك على أساس الخيارات الاستراتيجية للدول العربية و كذلك في علاقة بالقضية الفلسطينية و بقدر ما كانت تونس تعتز بتأسيس الجامعة العربيّة كانت تأسف للمنهجيّة و الخيارات الاستراتيجية للدول المؤسسين للجامعة العربيّة و من انضم اليها فيما بعد و التي لم تكن ناجحة و لم تكن واعدة. "

الزمان بعد عشرات السنين أكد وجهة نظر الحبيب بورقيبة و مؤاخذاته على جامعة الدول العربية.

 

التعاون التونسي الفرنسي

انصهار تونس في المجموعة الفرنكفونية كانت مناسبة ثرية للقاءات التي جمعت رئيس الجمهورية قيس سعيد  بقادة الدول الأخرى  قائلا " التعاون بين تونس و فرنسا لا يتأثر بحركات مثلما تم التقاطه في الصورة أما ما نسب للرئيس الفرنسي من جرأة على تقديم النصيحة الى زميله قيس سعيد هذا ينتسب الى مرجعية أخرى "

عندما يقوم شعب بثورة ديمقراطية و بحكم خياره السيد يصبح ينتسب الى المجموعة الديمقراطية في العالم و التي لا تمثل أغلبية فيصبح في صلة مع الدول التي تنتسب الى تلك المجموعة التي تتخاطب و تتشاور و تتناقش فيما بينها و لو باللوم فيما يخص مصير الديمقراطية و هذا يقع بين الدول الديمقراطية لا غير  و أوروبا لم تقم بدهس السيادة التونسية و لولا مساعدات أوروبا لما وجدنا النجاة في عديد المحطات التي مرت بها البلاد التونسية  كالمساعدة في القضاء على الارهاب .

 

 

نهى المانسي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter